أنـه ولـدي
بدأت أصوات ديوك القرية تتلاشى ..بعد أن تأكدت تلك
الديوك من أن صياحها لن يجدي بعد هذه الساعة..
فالعصافير استيقظت من نومها .. والناس بدءوا في
إعداد أنفسهم لاستقبال يوم جديد..أما أصوات الكلاب
فقد أخذت تتردد في أطراف القرية بين الفينة والأخرى .
بدأت الشمس في إرسال أشعتها الذهبية لتوقظ الحياة في
جميع الكائنات الحية ..وبيوت القرية بدأت نوافذها تنفتح
تباعا لاستقبال نور الشمس في ذلك اليوم الجديد .بعد قليل
ستأتي الحافلة .. الحافلة الوحيدة التي عهد إليها بنقل
الركاب من قريتنا إلى نابلس وبالعكس
إنها تتحرك في الساعة السابعة من صباح كل يوم لتعود
إلى قريتنا في مساء ذلك اليوم ..
فقد كان عليّ أن أنتهي من مستلزمات الخروج قبل السابعة
صباحا
شربت القهوة بعد أن تناولت الترويقة الصباحية التي
عودتني عليها أمي رحمها الله ..
فقد كانت تقول لي أن هذه الترويقة ضرورية للجسم لتعيد
إليه نشاطه بعد أن هـدّه النوم وأفقده الكثير من حرارته
المطلوبة
نظرت إلى ساعتي وإذ بها تشير نحو السابعة إلا عشر دقائق ..
توجهت إلى النافذة المطلة على ساحة القرية مترقبا الحافلة
الوحيدة فهي دائما وفي كل صباح تطلق آلة التنبيه في مثل
هذا الوقت .. أي في السابعة إلاّ عشر دقائق معلنة أن مغادرتها
للقرية قد اقتربت ولم يبقى لها من الوقت إلا القليل.. لذا فقد
توجب عليّ وعلى كل من يريد السفر أن يمضي حالا .
وبعد ترقب دام أكثر من خمس دقائق دخلت إلى الساحة سيارة
كانت تبدو وكأنها الغراب .. أما الحافلة فلم أر لها أثـرا .
وقفت السيارة في منتصف الساحة بعد أن حامت مرتين بسرعة
جنونية .. يا إلهي ما لهذه السيارة المجنونة ؟ إنها عسكرية ..
الساحة خاوية ولم أر سوى تلك السيارة المجنونة القابعة في
منتصف الساحة وثلاثة من الرجال يرتدون الزيّ العسكري كانوا
قد هبطوا منها حال توقفها .
كانت الأعناق مشرئبة من النوافذ باتجاه الساحـة..
شيء هناك يجذبها إليه .. لا بد وأن ثمة شيء مهم
سيكشف عنه النقاب قريبا .. رأيت مختار القرية يصل
إلى السيارة ويقف متبادلا الحديث مع رجل آخر كان
يجلس داخل السيارة ..
وبعد لحظات اتجه المختار إلى مؤخرة السيارة متفحصا
خلفيتها ثم
عاد إلى مكانه بالقرب من مقدمتها حيث يجلس الرجل
ذو البزة العسكرية .
صعد رجل إلى أعلى السيارة وأخذ يزعق :
إلى سكان قرية جبع .. عليكم الحضور إلى ساحة القرية
العامة وكل من يتخلف يعرض نفسه للعقوبة .
وكرر ندائه مرتين .. وما هي إلاّ دقائق معدودة حتى
بدأت طلائع أهل القرية في أطراف الساحة .. كتل بشرية
تـتسلل من هنا وهناك لتتكدس في الساحة بالقرب من تلك
السيارة المشئومة
أحد العسكريين يتطلع إلى المختار ويسأله :
أهـؤلاء هم أهالي قريتكم ؟
فيجيبه المختار بعد أن تفحص وجوه المصطفين حوله
- أجل هم هـؤلاء جميعا ولم يتخلف منهم أحد سوى امـرأة
-يجب أن تحضروها حالا .