ولكن من الأقلة الذين ناقشوا هذه المسألة في الآونة الأخيرة، نجد معظمهم قفزوا بتسرع كبير لاعتماد كلمة أو مفهوم التسخير الذي تضمنه القرآن الكريم كما في الأية الكريمة "ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير" (سورة لقمان الآية 20). أي أنه لم يتم فقط ضبط الكون بشكل دقيق ليسمح للحياة والإنسان أن يظهرا، بل إن كل شيء ضبط ووضع من أجل الإنسان. ولهذا السبب أنا أشير إلى التصور الإسلامي بعبارة "الأنثروبي الفائق".
وأنا أعتقد أن نظرية الترتيب الدقيق المحكم للكون ترددت بشكل رقيق ولطيف في القرآن الكريم من خلال عبارتي "القدر أو المقدار" و"الميزان".
الإنسان وعلم الكون
ينتقد بريماك وأبرامز الإهمال والتجاهل الثقافي الواسع للكون في عصرنا الحالي خلافا لما كان في العهود السابقة، ويتحدثان عن ثقافة الفصل الحديثة (الانفصام الاجتماعي) ما بين عالم الطبيعة وعالم القيم والمعنى.
ويرى المفكران بريماك وأبرامز أن الصور الثقافية التقليدية وحتى الدينية قد تكون مفيدة في تقديم علم الكون المعاصر دون أن يكون ذلك على حساب العلم.
" الإنسان يؤمن بالله بالطريقة التي يفهم فيها الله، ولابد أن يكون تصورنا وإيماننا بالله مرتبطا بكل الأحجام (من الذري إلى الكوني) والمقاييس والظواهر الكونية، ليس البشرية فقط " |
ويؤكد وليام تشيتيك (الفيلسوف الإسلامي) الدور المفيد للأسطورة في الفهم البشري، مشيرا إلى المتصوف محيي الدين ابن عربي الذي عبر عن الأسطورة والمنطق "بالعينين" في الإدراك البشري للواقع.وتعتمد طروحات بريماك وأبرامز على أنه وبينما كان الإنسان والأرض في علم الكون القديم يعتبران مركزا للكون من الناحية المادية الفيزيائية، يمكننا اليوم وبطريقة مجازية أن نبني صورة كبيرة لعلم الكونيات الحديث حيث تجد الإنسانية نفسها ذات أهمية مركزية في الكون.
ويقوم هذا الطرح على الحقائق التالية:
-نحن مصنوعون من أندر العناصر التي قدمها الكون (الغبار النجمي).
-نتمتع بأحجام تعتبر في وسط الامتداد الكلي للأجرام في الطبيعة والكون، من الأصغر الى الأكبر.
-نحن نعيش في نقطة وسيطة من عمر الكوكب والشمس.
علاقة علم الكونيات الحديث بمفهوم الله
يشدد بريماك وأبرامز على أن الإنسان يؤمن بالله بالطريقة التي يفهم فيها الله، ويؤكدان أهمية أن يكون تصورنا وإيماننا بالله مرتبطا بكل الأحجام (من الذري الى الكوني) والمقاييس والظواهر الكونية، ليس البشرية فقط.
ويخلص المفكران للقول الى أن "إلها منفصلا عن هذا الكون المدهش الذي يكتشفه العلم سيكون من صنع الخيال" وأن "إلها يبرز من فهمنا العلمي ليس إلها من صنعنا، فإله كهذا يكون أعمق بكثير من الخيال البشري ويتحدث بطريقة ما نيابة عن الكون نفسه".